د. محمد زعبي، مدير المدرسة الإعدادية "عمال الاخوة" متعددة المجالات، قرية الناعورة
حاز في السنوات الأخيرة تعلم لغة ثانية في سن مبكرة على أهمية كبيرة في البحث الأكاديمي والممارسة التعليمية. حيث أن تعلم لغة اخرى ينطوي على فوائد كثيرة ومنها؛ زيادة القدرات الإدراكية، والمساهمة في الثقة بالنفس، وتسهيل عمليات التكامل الثقافي. أما في حالتنا فإن اللغة العبرية هي لغة ثانية بالنسبة لنا، وبالأخص للطلاب العرب فهي جسر ثقافي وأداة للاندماج في المجتمع الإسرائيلي وسوق العمل.
إن تعلم لغة ثانية له أهمية كبيرة في تنمية القدرات الإدراكية للمتعلمين، وقد أثبتت العديد من الدراسات أن الطلاب الذين يتعلمون لغة ثانية في سن مبكرة يظهرون قدرات معرفية أكثر تقدمًا مقارنة بأقرانهم الذين يتحدثون لغة واحدة فقط. إنها تشير إلى قدر أكبر من المرونة العقلية والقدرة على حل المشكلات بطرق إبداعية وفهم أفضل للمفاهيم المجردة. ويبدو أيضًا أن تعلم لغة أخرى يعمل على حفظ القدرات المختلفة لمعالجة المعلومات والاحتفاظ بها.
إلى جانب العناصر الإدراكية لتعلم اللغة، يتيح تعلم اللغة العبرية للطلاب العرب توسيع آفاقهم الثقافية والاجتماعية، مما يُساهم في زيادة ثقتهم بأنفسهم. إن القدرة على التواصل باللغة العبرية توفر لهم الأدوات اللازمة للاندماج بشكل أفضل في المجتمع الإسرائيلي وفهم الثقافة والأيديولوجيات المختلفة الموجودة فيه بشكل أفضل. كما أن اللغة الثانية تتيح لهم التعبير عن آرائهم والمشاركة في المناقشات الاجتماعية والثقافية، مما يعزز الشعور بالانتماء والتأثير على من حولهم.
إن اكتساب لغة ثانية أمر ضروري في عالم سريع ومتغير كهذا، مما يُسّهل على مكتسب اللغة التعبير عن نفسه بطريقة أفضل ولاندماجه في المجتمع أو في الثقافة الجديدة التي يتعرض لها. أن تعلم اللغة العبرية المحكيّة كلغة ثانية في الدولة يأخذ دورًا حاسمًا في إنشاء الجسور بين الثقافة العربية والثقافة الإسرائيلية. فاللغة هي وسيلة للتفاهم والاحترام المتبادل، وتساعد على تقليل الأحكام المسبقة وبناء علاقات إيجابية بين المجتمعات. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن تقييم تأثير تعلم اللغة العبرية على الاعتراف في سوق العمل. ويُنظر إلى المتحدثين باللغة العبرية المحكيّة بين السكان العرب على أنهم يتمتعون بميزة كبيرة، حيث أنهم قادرون على التواصل مع أصحاب العمل والزبائن والشركاء المحتملين بشكل أكثر فاعليّة، مما يزيد من فرص الاندماج الناجح في سوق العمل الإسرائيلي. بالإضافة إلى ذلك، فهو يمنحهم ميزة في سوق العمل، حيث تعد القدرة على التواصل بلغات متعددة مهارة مرغوبة وتضعهم في مكان أفضل للعثور على عمل والتقدم المهني.
لا تستخدم اللغة العبرية المحكيّة كلغة ثانية كأداة للنجاح الأكاديمي والمهني فقط خاصة للطلاب العرب وانما أيضًا كجسر ثقافي. فهي يتيح للطلاب الالتقاء والتعرف على ثقافات وأفكار جديدة، مما يعزز التعايش والتفاهم المتبادل. كما يشجع تعلم اللغة العبرية المحكيّة على تطوير التفكير النقدي وقبول المختلف، مع تعزيز الهوية الشخصية والوطنية للطلاب. وفي الواقع، فإن تعلم لغة ثانية في سن مبكرة يساهم في التنمية الشخصية والاجتماعية للطالب. تعمل هذه العملية على زيادة فهم الهوية الثقافية الشخصية وتعزيز المهارات الاجتماعية من خلال التواصل مع الآخرين من خلفيات مختلفة. كما أنها أداة مهمة لتنمية الصبر وقبول الآخر، وهي خصائص أساسية للحياة في مجتمع متعدد ثقافيًا وعالميًا.
أنا شخصيًا من محبي اللغة العبرية منذ صغر، فقد كان للغة أثر كبير في اندماجي اجتماعيًا بنطاق واسع، حيثُ وجدت العديد من الأطر والرعاية خارج نطاق القرية الصغيرة مثل كرة القدم في المدينة المجاورة، والقبول في إحدى الكليات الأكثر طلبًا في الدولة، والترويج للمشاريع على المستوى الدولي من خلال إعداد الطلاب للمسابقات الوطنية وتعزيز مهاراتهم في اللغة العبرية بطلاقة للوصول إلى درجات أكاديمية متقدمة. فلم ينتهي الأمر عند هذا الحد، حيثُ أقود حاليًا حركة اجتماعية تضم العديد من الأعضاء من كلا المجتمعين هدفها التغيير الهيكلي في المجتمع الإسرائيلي وتعزيز حوار محترم ومتعدد الثقافات. فكان لكل ذلك أثرًا واضحًا في النجاح العظيم الذي حققته لعدة سنوات كمدير مدرسة.
ولهذا السبب كانت أمام عيني دائمًا ضرورة تذويت واستيعاب اللغة العبرية المحكيّة في المدرسة، ولتعزيز المبادرات والعمليات التعليمية فقد تم ذلك من خلال استقطاب متطوعين من المجتمع اليهودي "من البلدات المجاورة" لتعريف طلابي ببرامج التعايش المشترك والمجتمع التي غيرت بشكل جذري تصورات الطلاب والمعلمين على حد سواء.
وبالنظر إلى المزايا العديدة المرتبطة بتعلم لغة ثانية في سن مبكرة، وخاصة العبرية المحكيّة للطلاب العرب، فإن الحاجة إلى تعزيز برامج التعليم ثنائي اللغة أمر مفهوم. فهذا التعلم لا يعمل على تحسين القدرات الإدراكية وزيادة الثقة بالنفس فحسب، بل يساعد أيضًا في بناء الجسور الثقافية وتعزيز المجتمع ككل. وفي نهاية المطاف، فإن تعلم لغة ثانية هو نافذة على عالم أوسع، مما يتيح للأطفال والشباب بتطوير التعاطف وفهم الثقافات المختلفة وأن يكونوا جزءً من مجتمع عالمي متحرر من الحدود الثقافية واللغوية.